الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول (نسخة منقحة)
.شَرْحُ حَدِيثِ شُعَبِ الْإِيمَانِ: وَيُنَاسِبُ هُنَا أَنْ نَنْقُلَ شَرْحَ حَدِيثِ شُعَبِ الْإِيمَانِ وَكَلَامَ الْعُلَمَاءِ فِي إِحْصَائِهَا مِنْ فَتْحِ الْبَارِي.(فَتِلْكَ) الْأَرْكَانُ الْمُتَقَدِّمَةُ الَّتِي هِيَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامُ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ وَصَوْمُ رَمَضَانَ وَحَجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا (خَمْسَةٌ) فَسَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا الْإِسْلَامَ فَاعْلَمْهَا وَاحْتَفِظْ بِهَا وَاعْمَلْهَا وَعَلِّمْهَا، فَسَوْفَ تُسْأَلُ عَنْهَا وَتُحَاسَبُ عَلَيْهَا، فَأَعْدِدْ لِلسُّؤَالِ جَوَابًا، وَإِيَّاكَ أَنْ تُخِلَّ بِشَيْءٍ مِنْهَا فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ. .أَرْكَانُ الْإِيمَانِ: (وَلِلْإِيمَانِ سِتَّةُ أَرْكَانٍ) فَسَّرَهُ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ وَغَيْرِهِ (بِلَا نُكْرَانٍ) لِلنَّقْلِ وَلَا تَكْذِيبٍ لِلْخَبَرِ وَلَا شَكَّ فِي الِاعْتِقَادِ وَلَا اسْتِكْبَارَ عَنِ الِانْقِيَادِ..الْإِيمَانُ بِاللَّهِ: الْأَوَّلُ مِنْهَا (إِيمَانُنَا بِاللَّهِ): بِإِلَهِيَّتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ، لَا شَرِيكَ لَهُ فِي الْمُلْكِ وَلَا مُنَازِعَ لَهُ فِيهِ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُهُ وَلَا رَبَّ سِوَاهُ، وَاحِدٌ أَحَدٌ فَرْدٌ صمد لم يتخذ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا، وَلَا ضِدَّ لَهُ وَلَا نِدَّ، وَلَمْ يَكُنْ له كفوا أحدا (ذِي الْجَلَالِ) ذِي الْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ الَّذِي هُوَ أَهْلٌ أَنْ يُجَلَّ؛ فَلَا يُعْصَى، وَيُذْكَرَ فَلَا يُنْسَى، وَيُشْكَرَ فَلَا يُكْفَرُ، وَيُوَحَّدَ فَلَا يُشْرَكُ مَعَهُ غَيْرُهُ، وَلَا يُوَالَى إِلَّا هُوَ {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ} [الْأَنْعَامِ: 164]، {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الْأَنْعَامِ: 14]، {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا} [الْأَنْعَامِ: 114]، {أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ} [الزُّمَرِ: 64]، {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الْأَنْعَامِ: 102، 103].(وَ) الْإِيمَانُ بِـ (مَا لَهُ) تَعَالَى (مِنْ صِفَةِ الْكَمَالِ) مِمَّا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَوَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْأَسْمَاءِ الحسنى والصفات العلا وَإِمْرَارُهَا كَمَا جَاءَتْ بِلَا تَكْيِيفٍ وَلَا تَمْثِيلٍ وَلَا تَحْرِيفٍ وَلَا تَعْطِيلٍ، وَأَنَّ كُلَّ مَا سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى وَوَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَوَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكُلُّ حَقٌّ عَلَى حَقِيقَتِهِ عَلَى مَا أَرَادَ اللَّهُ وَأَرَادَ رَسُولُهُ، وَعَلَى مَا يَلِيقُ بِجَلَالِ اللَّهِ وَعَظَمَتِهِ {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آلِ عِمْرَانَ: 7].وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يَسَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ تَقْرِيرِ الْكَلَامِ فِي تَوْحِيدِ الْإِلَهِيَّةِ وَالرُّبُوبِيَّةِ وَالْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَأَنْوَاعِ الشِّرْكِ الْمُضَادَّةِ لَهُ، فَلْيُرَاجَعْ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ..الْإِيمَانُ بِالْمَلَائِكَةِ: (وَ) الثَّانِي الْإِيمَانُ (بِالْمَلَائِكَةِ) الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ اللَّهِ الْمُكْرَمُونَ وَالسَّفَرَةُ بَيْنَهُ تَعَالَى وَبَيْنَ رُسُلِهِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (الْكِرَامُ) خَلْقًا وَخُلُقًا وَالْكِرَامُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى (الْبَرَرَةُ) الطَّاهِرِينَ ذَاتًا وَصِفَةً وَأَفْعَالًا، الْمُطِيعِينَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُمْ عِبَادٌ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، خَلَقَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ النُّورِ لِعِبَادَتِهِ، لَيْسُوا بَنَاتًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا أَوْلَادًا وَلَا شُرَكَاءَ مَعَهُ وَلَا أَنْدَادًا، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ وَالْجَاحِدُونَ وَالْمُلْحِدُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} [الْأَنْبِيَاءِ: 26-29]، وَقَالَ تَعَالَى: {أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ} [الصَّافَّاتِ: 151-166]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ} [الزُّخْرُفِ: 15-19]، الْآيَاتِ.وَقَالَ تَعَالَى: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا} [النِّسَاءِ: 172]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} [الْأَنْبِيَاءِ: 19، 20]، وَقَالَ تَعَالَى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فَاطِرٍ: 1]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ} وَقَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا} [الْفُرْقَانِ: 22]، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} [الْأَعْرَافِ: 206].وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مَرْيَمَ: 64]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} [سَبَأٍ: 40]، وَقَالَ تَعَالَى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} [الْبَقَرَةِ: 98]، وَالْآيَاتُ فِي ذِكْرِ الْمَلَائِكَةِ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرَةٌ..أَقْسَامُ الْمَلَائِكَةِ وَخَصَائِصُهُمْ: ثُمَّ هُمْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا هَيَّأَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ وَوَكَّلَهُمْ بِهِ عَلَى أَقْسَامٍ:.مِنْهُمُ الْمُوَكَّلُ بِالْوَحْيِ: فَمِنْهُمُ الْمُوَكَّلُ بِالْوَحْيِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى إِلَى رُسُلِهِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَهُوَ الرُّوحُ الْأَمِينُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [الْبَقَرَةِ: 97]، وَقَالَ تَعَالَى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشُّعَرَاءِ: 193]، وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} [النَّحْلِ: 102]، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النَّجْمِ: 4-9]، وَهَذَا فِي رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ فِي الْأَبْطَحِ حِينَ تَجَلَّى لَهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا، لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ قَدْ سَدَّ عَظْمُ خَلْقِهِ الْأُفُقَ، ثُمَّ رَآهُ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ أَيْضًا فِي السَّمَاءِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} [النَّجْمِ: 13-15].وَلَمْ يَرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صُورَتِهِ إِلَّا هَاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ، وَبَقِيَّةَ الْأَوْقَاتِ فِي صُورَةِ رَجُلٍ، وَغَالِبًا فِي صُورَةِ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.وَقَالَ تَعَالَى فِيهِ: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} [التَّكْوِيرِ: 19-23]، الْآيَاتِ، وَقَالَ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سَبَأٍ: 23]، تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ فِي مَعْنَى الْآيَةِ. وَفِيهِ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَيَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَرْفَعُ رَأْسَهُ جِبْرِيلُ، فَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ وَحْيِهِ بِمَا أَرَادَ، ثُمَّ يَمُرُّ جِبْرِيلُ بِأَهْلِ السَّمَاوَاتِ كُلَّمَا مَرَّ بِسَمَاءٍ سَأَلَهُ مَلَائِكَتُهَا: مَاذَا قَالَ رَبُّنَا يَا جِبْرِيلُ؟ فَيَقُولُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: قَالَ الْحَقَّ وَهُوَ العلي الكبير فيقولون كُلُّهُمْ مِثْلَ مَا قَالَ جِبْرِيلُ. ثُمَّ يَنْتَهِي جِبْرِيلُ بِالْوَحْيِ إِلَى حَيْثُ أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ» وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ.وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُ بَعْضِ الْأَحَادِيثِ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ مِنَ الْفَصْلِ الْآتِي..وَمِنْهُمُ الْمُوَكَّلُ بِالْقَطْرِ: وَمِنْهُمُ الْمُوَكَّلُ بِالْقَطْرِ وَتَصَارِيفِهِ إِلَى حَيْثُ أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَهُوَ مِيكَائِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهُوَ ذُو مَكَانَةٍ عَلِيَّةٍ وَمَنْزِلَةٍ رَفِيعَةٍ وَشَرَفٍ عِنْدَ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَهُ أَعْوَانٌ يَفْعَلُونَ مَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ بِأَمْرِ رَبِّهِ، وَيُصَرِّفُونَ الرِّيَاحَ وَالسَّحَابَ كَمَا يَشَاءُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الْآثَارِ: مَا مِنْ قَطْرَةٍ تَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَّا وَمَعَهَا مَلَكٌ يُقَرِّرُهَا فِي مَوْضِعِهَا مِنَ الْأَرْضِ.وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِجِبْرِيلَ: «عَلَى أَيِّ شَيْءٍ مِيكَائِيلُ؟ قَالَ: عَلَى النَّبَاتِ وَالْقَطْرِ».وَلِأَحْمَدَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِجِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَا لِي لَمْ أَرَ مِيكَائِيلَ ضَاحِكًا قَطُّ؟ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: مَا ضَحِكَ مِيكَائِيلُ مُنْذُ خُلِقَتِ النَّارُ عِيَاذًا بِاللَّهِ مِنْهَا»..مِنْهُمُ الْمُوَكَّلُ بِالصُّورِ: وَمِنْهُمُ الْمُوَكَّلُ بِالصُّورِ، وَهُوَ إِسْرَافِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، يَنْفُخُ فِيهِ ثَلَاثَ نَفَخَاتٍ بِأَمْرِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ: الْأُولَى: نَفْخَةُ الْفَزَعِ، وَالثَّانِيَةُ: نَفْخَةُ الصَّعْقِ، وَالثَّالِثَةُ: نَفْخَةُ الْقِيَامِ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ، كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَسْطُهُ فِي مَوْضِعِهِ.وَلِأَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الْقَرْنِ قَدِ الْتَقَمَ الْقَرْنَ وَحَنَى جَبْهَتَهُ وَانْتَظَرَ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ»؟! قَالُوا: كَيْفَ نَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «قُولُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا».وَهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ هُمُ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دُعَائِهِ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ: «اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»..وَمِنْهُمُ الْمُوَكَّلُ بِقَبْضِ الْأَرْوَاحِ: وَمِنْهُمُ الْمُوَكَّلُ بِقَبْضِ الْأَرْوَاحِ وَهُوَ مَلَكُ الْمَوْتِ وَأَعْوَانُهُ، وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الْآثَارِ تَسْمِيَتُهُ عِزْرَائِيلَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} [السَّجْدَةِ: 11]، وَقَالَ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الْأَنْعَامِ: 61]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الْأَنْفَالِ: 50]، وَقَالَ تَعَالَى: {الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النَّحْلِ: 28-32]، وَغَيْرُهَا مِنَ الْآيَاتِ.وَقَدْ جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ أَنَّ أَعْوَانَهُ يَأْتُونَ الْعَبْدَ بِحَسَبِ عَمَلِهِ، إِنْ كَانَ مُحْسِنًا فَفِي أَحْسَنِ هَيْئَةٍ وَأَجْمَلِ صُورَةٍ بِأَعْظَمِ بِشَارَةٍ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا فَفِي أَشْنَعِ هَيْئَةٍ وَأَفْظَعِ مَنْظَرٍ بِأَغْلَظِ وَعِيدٍ، ثُمَّ يَسُوقُونَ الرُّوحَ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ قَبَضَهَا مَلَكُ الْمَوْتِ فَلَا يَدْعُونَهَا فِي يَدِهِ بَلْ يَضَعُونَهَا فِي أَكْفَانٍ وَحَنُوطٍ يَلِيقُ بِهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الْوَاقِعَةِ: 83-96]، سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ، نَسْتَغْفِرُ اللَّهَ.
|